حرب الفرقان شكلت علامة فارقة في الصراع الفلسطيني الصهيوني

يوافق اليوم الاثنين 27 / 12 / 2010 الذكرى السنوية الثانية للحرب الصهيونية على قطاع غزة والتي أطلق عليها قادة الاحتلال الصهيوني اسم "عملية الرصاص المسكوب"، بينما سمّاها رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية بـ"حرب الفرقان" ، ففي السابع والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2008 صبت أكثر من 80 طائرة حربية صهيونية على اختلاف أشكالها حممها ونيرانها وصواريخها على عشرات الأهداف الفلسطينية المدنية والأمنية في مختلف مناطق قطاع غزة ، موقعة في الضربة الأولى أكثر من 200 شهيد غالبيتهم من عناصر الشرطة الفلسطينية بمن فيهم مديرها العام اللواء توفيق جبر .
ووفق تقارير نشرتها مؤسسات حقوقية قبل الحرب بنحو أسبوع ، يتضح بأن الكيان الصهيوني لم يحترم تهدئة استمرت ستة شهور برعاية مصرية ، حيث أوضحت التقارير أن قوات الاحتلال قتلت خلال هذه الفترة 50 فلسطينيا وأسرت أكثر من 1500 مواطنا، وهدمت أكثر من 60 منزلا في كل من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ، وأمام استمرار الانتهاكات الصهيونية ، وإصراره على عدم رفع الحصار عن قطاع غزة الأمر الذي ضاعف من معاناة الشعب الفلسطيني ، قررت فصائل المقاومة عدم تمديد التهدئة ، حيث ردت على انتهاكات الاحتلال بإطلاق عشرات الصواريخ والقذائف صوب المغتصبات الصهيونية المحاذية لقطاع غزة .
خداع وتضليل
وسبق الحرب الصهيونية على قطاع غزة ـــ والتي وصفت بالأشرس منذ حرب العام 1967 ـــ عملية تضليل وخداع مارسها الكيان الصهيوني والذي تعمد فتح معابر قطاع غزة قبل يوم واحد لإدخال 428 ألف لتر من الغاز الصناعي ، ونحو 75 طنا من غاز الطبخ ، الإضافة لـ105 شاحنة إغاثة ، كما أعلن الكيان في اليوم الذي سبق الحرب عن مهلة مدتها 48 ساعة لوقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على الأهداف الصهيونية ، إلا أن العدوان الصهيوني وقع بعد أقل من 24 ساعة بداية المهلة ، وتزامن مع يوم السبت وهو يوم الراحة عند اليهود .
وفي إطار سعيها لتضليل حماس ، حرص مكتب رئيس الوزراء الصهيوني في حينه "إيهود أولمرت" على إبلاغ الصحفيين بأن الحكومة الصهيونية ستجتمع الأحد لبحث احتمال القيام بعملية مكثفة ضد قطاع غزة بسبب استمرار سقوط الصواريخ ، وقد عزز ذلك من التكهنات بعدم القيام بأي عدوان قبل الأحد .
مجريات العدوان
خلال الأيام الثمانية الأولى من العدوان استمر الطيران الحربي الصهيوني ، بعمليات قصف مكثفة وغير مسبوقة على مختلف مناطق قطاع غزة، فيما كانت المقاومة الفلسطينية ترد حسب إمكانياتها بقصف المغتصبات الصهيونية رغم التحليق المكثف للطيران بكافة أشكاله ، وبالإضافة إلى المواقع الأمنية، فقد استهدفت طائرات الاحتلال بصورة مخالفة للقانون الدولي مئات المنازل لمواطنين مدنيين، والكثير من المساجد التي تدمرت إما بشكل كامل أو جزئي، وكذلك الجامعات والمدارس والعديد من المؤسسات التابعة للأونروا، عدا عن استهدف المستشفيات والمقار الصحية.
في الثالث من شهر يناير عام 2009 ـــ أي بعد 8 أيام من بدء الحرب ــ بدأت قوات الاحتلال الصهيوني اجتياحها البري لقطاع غزة ، حيث اشتركت مئات الدبابات الصهيونية مع الطيران الحربي في إغراق القطاع بالصواريخ والقذائف، وسط مقاومة عنيفة كانت تدور على جبهات مختلفة ، ولم تتورع حينها آلة الحرب الصهيونية عن ارتكاب كل ما هو محرم دوليا في سبيل تحقيق أهدافها، فبعد أن فشلت جميع محاولاتها بتحقيق أهدافها من خلال الأسلحة التقليدية كالطيران والدبابات، لجأت إلى استخدام أسلحة غير تقليدية ضد المدنيين كان أبرزها الفسفور الأبيض، واليورانيوم المخفف الذي ظهر على أجساد بعض الشهداء ، وفق تقارير صادرة عن خبراء ومؤسسات أوروبية .
الحصيلة والتداعيات
وبعد 23 يوما من بدء الحرب ، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني في حينه "إيهود أولمرت" عن إيقاف إطلاق النار من جانب واحد دون الانسحاب من قطاع غزة ، تلاه في اليوم التالي إعلان الفصائل الفلسطينية هدنة لمدة أسبوع ، كمهلة للانسحاب الصهيوني من القطاع .
هل حقق العدو أهدافه من الحرب ؟
وعلى صعيد تحقيق الأهداف، فقد أخفق الكيان الصهيوني بتحقيق أهدفه ، حيث ما زالت الصواريخ تتساقط حتى اليوم على المغتصبات الصهيونية ، بينما بقيت حركة حماس تدير دفة الحكم في القطاع رغم محاولة الحكومة الصهيونية إسقاطها من خلال الحرب أو الحصار المفروض منذ عدة سنوات ، وقد أقرّ بذلك العديد من المسؤولين الصهاينة فيما بعد ، وكان آخرهم العميد في الاحتياط الصهيوني "تسفيكا فوغيل" القائد السابق لما يسمى صهيونيا بالمنطقة الجنوبية ، والذي قال قبل نحو شهرين : " إن الأحداث الأخيرة أثبتت أننا أخطأنا حين اعتقدنا أن عملية الرصاص المصبوب على غزة حققت نجاحا مبهرا " ، مشيرا الضابط الصهيوني خلال حديثه لإذاعة قوات الاحتلال الصهيوني إلى أن أكثر من 150 صاروخا وأكثر من 150 قذيفة هاون بمعدل 13 صاروخ يتم إطلاقه كل شهر، والعجيب أنه منذ شهر يناير 2010 إلى شهر أغسطس من نفس العام أطلق باتجاه الكيان الصهيوني أكثر من 100 صاروخ وقذيفة ، مضيفا : " نحن كالنعامة نفضل تجاهل ذلك ونتطرق فقط للأحداث جانبية، فحماس تريد أن تثبت للجمهور الفلسطيني خاصة والعربي عامة أنها هي التي تمثل مصالح الشعب الفلسطيني، وهي لا تتعامل بعصبية ولا تحاول ضرب الأهداف بدقة أكبر، ولكنها حافظت على نفس معدل الإطلاق منذ نهاية عملية الرصاص المصبوب " .
وأما على الصعيد السياسي ، فقد أحدثت الحرب الصهيونية على قطاع غزة أكبر حملة تضامن مع الشعب الفلسطيني من كثير من دول العالم وخاصة الأوروبية، وتغيرت صورة الكيان الصهيوني بعد أن شاهد العالم في شاشات الفضائيات فظاعة الجرائم الصهيونية التي ارتكبت بحق المدنيين والنساء والأطفال في القطاع .
هذا ولا زال الكيان الصهيوني حتى الآن تدفع ثمن الحرب من خلال امتناع العديد من قادتها من السفر لبعض الدول الأوروبية خشية تعرضهم للأسر أو الملاحقة بسبب الدعاوى المرفوعة ضدهم في المحاكم الدولية على أنهم "مجرمي حرب".
حماس والشعب الفلسطيني هو من انتصر
أتت الذكرى الثانية لحرب الفرقان وكل الوقائع والمؤشرات ، تؤكد أن قطاع غزة التي تحكمها الشرعية وتواطأ عليها القريب والبعيد والصديق قبل العدو ، باتت اليوم أقوى شوكة وأصلب عودا من أي وقت مضى رغم المحنة والألم والجراح التي لا زالت تنزف ، فلا أحد ينسى ذلك اليوم قبل عامين عندما صرخت وزيرة خارجية الاحتلال آنذاك تسيفي ليفني غاضبة من قلب عاصمة المعز القاهرة وهي تقول لحماس "كفى.. كفى" ، وما هي إلا ساعات على صراخ الوعيد والتهديد حتى صبت طائرات جيشها حمم قنابلها الحارقة والفسفورية المحرمة دوليا على رؤوس الآمنين من الأطفال والنساء .فكانت الجريمة المروعة .
طال أمد تلك الحرب ، بشكل فاجأ العدو الصهيوني ، والذي وضع ثلاثة أيام ، كحد أقصى لإنهاء حكم حماس وعودة قطاع غزة إلى بيت الطاعة ووقف العنف ومنع إطلاق الصواريخ وأخيرا على رأس الأهداف " عودة شاليط الأسير إلى كنف عائلته " ،إلا أن الحرب امتدت إلى ما يزيد عن العشرين يوما دون أن يحقق العدو أيا من أهدافه .
وفي أحدث تصريح له ، كشف رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود أولمرت في كتاب مذكراته النقاب أن وزير حربه في حينه أيهود باراك هو من قاد الحرب على قطاع غزة وشجعها، لكنه حاول جاهداً التوصل إلى قرار بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب هروبا من المقاومة ، مشيرا أولمرت إلى أن باراك أخفى عنه معلومات هامة ودقيقة حول الحرب ، وحاول استغلال الوقت وتوسيع الحرب ، وتزويد الحكومة الصهيونية بمعلومات خاطئة حول سقوط عدد قليل من المدنيين واقتراب العثور على الجندي الأسير جلعاد شاليط، وإنهاء حكم حماس .
كما وتحدث أولمرت في كتاب مذكراته عن مساع حثيثة قادها باراك خلال الحرب على قطاع غزة ـــ وفي الوقت التي كان يتعرض فيه القطاع للقصف الشديد ـــ للتوصل إلى تهدئة لإيقاف إطلاق النار ووقف الجحيم الذي وقعت به قواته ، حيث تعيد تصريحات أولمرت هذه إلى الذاكرة تصريحات المقاومة الفلسطينية التي أكدت أن الاحتلال يتعرض لمقاومة شرسة خلال الحرب أوقعت العشرات من جنوده قتلى ، وتشير إلى أن باراك كان يسعى جاهدا إلى إيقاف هذه الحرب وخسائرها في صفوف الاحتلال .
مظاهرات دولية تضامنا مع غزة في ذكرى الحرب عليها
وعلى الصعيد الدولي تجمع نحو 200 شخص مساء أمس الأحد 26 / 12 / 2010 في العاصمة الفرنسية باريس لإحياء الذكرى الثانية للحرب الصهيونية على قطاع غزة ، حيث أعلن خلال هذه التظاهرة عن إرسال أسطول مساعدات جديد لكسر الحصار الصهيوني المفروض على القطاع ن وقد ردد المتظاهرون الذين تجمعوا في ساحة حقوق الإنسان في تروكاديرو بباريس ( غزة ، غزة، لن ننساك ) و( كلنا فلسطينيون ) ، وذلك تلبية لنداء جمعيات تضامن مع الفلسطينيين ونقابات وأحزاب سياسية فرنسية .
هذا ودان المتظاهرون " إفلات الكيان الصهيوني من أي عقاب "، عشية الذكرى الثانية للحرب الصهيونية على قطاع غزة ، حيث بدأ المتظاهرون الذين رفعوا أعلاما فلسطينية بإضاءة 1400 شمعة تكريما لأرواح الشهداء الفلسطينيين ، واستمعوا إلى شهادة جميلة الحبش التي بترت ساقاها بعد إصابتها في قصف صهيوني وتتلقى حاليا العلاج في فرنسا .
كما وأعلن المنظمون أيضا البدء في جمع أموال لتمويل " سفينة فرنسية إلى قطاع غزة " في إطار أسطول جديد يهدف إلى كسر الحصار الصهيوني وتقديم مساعدة إنسانية إلى قطاع والذي سيبحر في أيار/ مايو 2011.
جدير بالذكر انه وفي 31 أيار/ مايو حاول ناشطون متضامنون مع الفلسطينيين على متن عدة سفن ، كسر الحصار الصهيوني على قطاع غزة، لكن قوات البحرية الصهيونية الخاصة هاجمت الأسطول الذي كان ضمنه سفينة مرمرة التركية والتي ارتقى على متنها إثر الهجوم الصهيوني عن استشهاد تسعة ناشطين أتراك .



تعليقات