أخلاقنا الإسلامية





ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضى الله تعالى عنه قال

( لـمَّا أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في النَّاس
 في المؤلَّفة قلوبهم، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فكأنَّهم وجدوا إذ لم يصبهم
ما أصاب النَّاس، فخطبهم فقال:
يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلَّالًّا فهداكم الله بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفكم الله
بي، وعالة فأغناكم الله بي؟
 كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ.
 قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
 قال: كلَّما قال شيئًا
قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ.
قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب النَّاس بالشَّاة والبعير،
وتذهبون بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟
لولا الهجرة لكنت امرءًا مِن الأنصار، ولو سلك النَّاس واديًا وشعبًا
لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والنَّاس دثار،
 إنَّكم ستَلْقَون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض )

وهذا مِن أكبر نعم الله في بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 أن ألَّف به بين قوم قويت بينهم العصبيَّات، وينبغي أن يكون شأن المسلم
هكذا: يؤلِّف بين المتفرِّقين ويأتلف حوله المحبون  .

وعن جابر رضى الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

( المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف )
قال المناوي في شرح قوله :

[ المؤمن يأْلَف قال: لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه.
وفي رواية إلْفٌ مَأْلُوفٌ
والإلْف: اللَّازم للشَّيء، فالمؤمن يأْلَف الخير، وأهله ويألفونه
 بمناسبة الإيمان ]

قال الطِّيبي:

[ وقوله المؤمن إلْفٌ: يحتمل كونه مصدرًا على سبيل المبالغة،
كرجل عدل، أو اسم كان، أي: يكون مكان الأُلْفَة ومنتهاها،
 ومنه إنشاؤها وإليه مرجعها ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف لضعف إيمانه،
وعُسْر أخلاقه، وسوء طباعه. والأُلْفَة سببٌ للاعتصام بالله وبحبله،
وبه يحصل الإجماع بين المسلمين وبضِدِّه تحصل الـنُّفْرة بينهم،
وإنَّما تحصل الأُلْفَة بتوفيقٍ إلهي...
 ومِن التَّآلف: ترك المداعاة والاعتذار عند توهُّم شيء في النَّفس، 
  وتَــرْك الجدال والمراء وكثرة المزاح ]

وقال الماورديُّ:

[ بيَّن به أن الإنسان لا يُصْلِح حاله إلَّا الأُلْفَة الجامعة؛ فإنَّه مقصود بالأذيَّة،
محسود بالنِّعمة، فإذا لم يكن إلفًا مألوفًا تختطفه أيدي حاسديه،
 وتحكَّم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تَصْفُ له مدَّة،
وإذا كان إلفًا مألوفًا انتصر بالأُلْف على أعاديه، وامتنع بهم مِن حسَّاده،
فسلمت نعمته منهم، وصفت مودَّته بينهم، وإن كان صفو الزَّمان كدرًا ويُسْرُه
عسرًا وسلمه خطرًا ]
قال الرَّاغب الأصفهاني:

[ ولذلك حثَّنا على الاجتماعات في الجماعات والجمعات،
لكون ذلك سببًا للأُلْفَة، بل لذلك عظَّم الله تعالى المنَّة على المؤمنين بإيقاع
الأُلْفَة بين المؤمنين ... وليس ذلك في الإنسان فقط، بل لولا أنَّ الله تعالى
 ألَّف بين الأركان المتضادة، لما استقام العالم ]
 وعن عوف بن مالك رضى الله تعالى عنه :
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

( خيار أئمتكم : الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، ويصلُّون عليكم، وتصلُّون عليهم،
وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم )
إنَّ خيار النَّاس في نظر الشَّرع هم الذين يأْلَفون ويُؤْلَفون،
وخاصَّة حين يكونون في منصب أو مسؤوليَّة، إذ قد ينزلقون إلى صورٍ
مِن الغلظة والجفوة حين يكونون مطلوبين لا طالبين .

-  وقال صلى الله عليه وسلم: 

( النَّاس معادن كمعادن الفضَّة والذَّهب،
 خيارهم في الجاهليَّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا،
والأرواح جنودٌ مجنَّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف )
قال ابن حجر:

[ قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر
والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك
يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها
من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت،
ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء
أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي فتتشاءم،
 فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها
على ما سبق من العهد المتقدم.
وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين،
ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت
 أو اختلفت، على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك
بالتعارف.
 قلت: ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا لأنه محمول على مبدأ
التلاقي فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب، وأما في ثاني الحال فيكون
مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة، كإيمان الكافر وإحسان
المسيء.
وقوله: (جنود مجندة) أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة. ]

قال ابن الجوزي:

 [ ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة
أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك؛
ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم،
وكذلك القول في عكسه ]

وقال القرطبي:

[ الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحًا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها،
فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى
الخاص لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها
وتنفر من مخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها
يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها ]

و الله سبحانه و تعالى أعلى و أعلم و أجَلّ
 

صدق الله العلى العظيم و صدق رسوله الكريم

و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه وسلم

 

نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )

اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )

و الله الموفق )

=======================

و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و شاكرين لكم حُسْن متابعتكم

و إلى اللقاء في الحديث القادم و أنتم بكل الخير و العافية

 

إن شـاء الله "