«النفاق الاجتماعي»،


 
ظاهرة عجيبة تفشّت في الوطن العربي والإسلامي، وتغلغلت بين الناس، وتعددت أسماؤها ومفاهيمها
 والمقاصد منها تحت ما يسمى «النفاق الاجتماعي»، حدثنا الداعية الشيخ عبدالعزيز الكنهل، المتعاون
مع وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، عن هذه الظاهرة، وما تضمنته بين طياتها وثناياها.
يعرّف الشيخ عبدالعزيز النفاق الاجتماعي بأنه مختلف عن المديح أو المجاملة التي تقدم من شخص
 لآخر قائلاً: «يختلف النفاق الاجتماعي بمعناه الحقيقي عن المجاملة والمديح بأنه مذموم شرعًا بجميع صوره؛
 لأن القصد منه الكذب على الناس لتحصيل مقاصد دنيوية، أو الرفع من مكانة اجتماعية وإظهار النفس
 بخلاف ما هي عليه حقيقةً، وهذا ما يسمى بالنفاق العملي».

ما الذي يميز النفاق الاجتماعي (العملي) عن المجاملة؟
كلمة المجاملة بحد ذاتها فيها تفصيل، فما كان منها تلطفًا في أسلوب التعامل أو لإدخال السرور إلى قلوب الناس
 دون كذب ومخالفات شرعية فهو صحيح شرعًا، حتى لو كان مع المخالفين بقصد كسب قلوبهم والتأثير عليهم؛
حتى يغيروا مسارهم السيئ نحو المسار الصحيح، وما كان منها كذبًا صريحًا ومبالغة 
لأي سبب كان، فهو نفاق اجتماعي محرم.


متى تدخل المجاملة أو المديح في النفاق؟
إذا كانت مدحًا للناس بما ليس فيهم أو موافقة وإصحاحًا للمخطئ على خطئه ودخل فيها الكذب بقصد
إرضاء الممدوح فهذا ما يذم شرعًا، ويعتبر نفاقًا عمليًا (اجتماعيًا).


هل هناك ما يسمى بفن التعامل؟ وهل يدخل في النفاق؟
نعم هناك ما يسمى بفن التعامل مع الناس، ولا يعتبر نفاقًا إذا ضبط بالضوابط الشرعية بالتزام عدم الكذب
 وعدم المبالغة (المرفوضة)، التي تؤدي للمجاملات الممقوتة، وما تحويه من كذب ومديح زائد يصيب الممدوح
بالغرور والسامع بالغش، ومن الأمور التي تندرج تحت فن التعامل مع الناس: طلاقة الوجه، والرفق، واللين،
والحلم، والأناة، والرحمة، واحترام مشاعر الغير، وسلامة القلب واللسان من الغش والخيانة، وترك المعاتبة على
 كل شيء، والعفو عن زلات الناس، كل هذه الأمور عبارة عن نعمة عظيمة لصاحبها، لما قال الله تعالى: «وَلا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ
الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»، (34-35) سورة فصلت.

وكيف يكون المديح المبالغ فيه نفاقًا؟

إذا كان المديح بقصد التودد ولم يتضمن محظورًا شرعيًا كالكذب فهو مباح، وأما إذا كان متضمنًا الكذب الصريح
فهو حرام، سواء كان بهدف التودد أو الكسب المادي أو غيرهما؛ لأنه غش، وهو ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» متفق عليه، فالكذب في هذه الحالة ذنب وكبيرة
من كبائر الذنوب، ويكون خطرًا إذا سمع أحد هذا المديح وصدقه، فينخدع بالشخص الممدوح ويثق به
 ويحسن الظن به، وهو غير أهل لذلك.

ما حكم النفاق الاجتماعي شرعًا، وما السبب الحقيقي وراء انتشاره؟
النفاق الاجتماعي يعد منافيًا لمبادئ وأخلاق الدين الإسلامي، وصفة النفاق مذمومة وتدل على ضعف إيمان مرتكبها،
 وقلة خوفه من الله ومن عقابه، لكنه لا يخرج صاحبه من الإسلام ويعرضه للعقوبة، والسبب في انتشاره وتفشيه بين الناس:
الطمع المادي، وضعف الثقة بالنفس، والشعور بالنقص، ووجود من يتساهل في هذه الأمور من المعلمين والأهل، وبعض الوسائل
 الإعلامية، فجميعها تغذي وتنمي هذا المرض للأسف، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالصدق والإخلاص في الأقوال
والأفعال، وحبب فيه، ونهى عن الكذب والرياء، وحذر منه لما فيه من غش وتدليس وخيانة وظلم للنفس والعباد؛ فقد
قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البر، وإنّ البر يهدي إلى الجنة، وما زال الرجل يصدق
 ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار،
 ومازال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»، رواه مسلم.


كيف يمكن علاج حالة النفاق الاجتماعي، أو كيف يمكن اجتنابها؟
يمكن اتباع طرق عديدة بإمكانها لفت نظر الأشخاص وحثهم على اجتنابه، وذلك بتوضيح وتبيين خطورته في الدنيا
والآخرة من خلال النصوص الشرعية، وذلك عبر وسائل الإعلام وعن طريق الحلقات في المساجد والدروس الدينية
والتربوية في المدارس، والتحذير من العقاب المترتب عليه، كما أنه من المهم تعليم الشخص أنّ النفاق الاجتماعي لن يأتي
له برزق ما لم يكن مكتوبًا له، وأنّ ما يحصل عليه من مال ووجاهة بسبب النفاق يخشى أن يكون سحتًا وحرامًا، ومن
المهم أيضًا أن يعلم الناس أنّ المنافق اجتماعيًا معرض لسخرية الناس وتحقيرهم واستهزائهم من أقواله وأفعاله،
على عكس ما يعتقده من أنه سيجذب محبة الناس ويستخف بهم، ومن الجدير العلم به أنّ حبل النفاق كحبل الكذب؛
 قصير، وأنه إن انطلى على بعض الناس بزخرف القول فسيأتي الوقت الذي تنجلي فيه الحقيقة، وينكشف المنافق الكذاب
 عاجلاً أم آجلاً، وسيلفظ كما لفظ أمثاله، وأن يعلم أيضًا أن ذلك يعرضه لمقت الله، وعقوبته في الدنيا والآخرة.
 

وعلى المسلم أن يتحرى الصفات الحسنة، والأخلاق الحميدة التي اعتبر الحياء أهمها وأكثرها تأثيرًا؛ لأنّ من
يستحيي من الله ثم من الناس لا يمكن أبدًا أن يتساهل بالنفاق، وفي الحديث المتفق عليه
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بالخير».
أما طرق العلاج لمن أصيب بهذه الآفة فتحتاج لمجاهدة النفس على ترك هذه الصفة، وأن يدعو الله بإلحاح أن
يخلصه وإخوته المسلمين منها، كما أنّ للأسرة أيضًا دورًا فعّالاً في العلاج؛ يقدمون النصح له مثلاً ويتعاونون
 معه على تركه، حتى المجتمع المحيط بإمكانه الإسهام في العلاج؛ بعدم السكوت عنه، وعدم إبداء الإعجاب بكلامه؛
 لأنّ الحالتين إن كانتا سكوتًا عنه أم إعجابًا بكلامه، فسيتمادى في نفاقه.