(مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ)

                                                           بسم اللهِ الرّحمن الرّحيم


عن النبي صلى اللّه عليه وآلهِ وسلم قال: (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ). البخاري ومسلم  فهذا الحديث نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم الشخص إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلم.

عن معاذ رضي اللّه عنه لما سأل الرسول: أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار، ثم قال الرسول   (ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه  .. فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت: يا رسول اللّه  وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟  فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ)الترمذي . وقولُ النبيّ له- ثكِلتكَ أمك- معناه انتبه يا معاذ وهذا في لغة العرب وليس معناه أن النبي يدعو عليه بالموت.

و في صَحيحِ ابنِ حِبّان أَنَّ  بنَ عَبدِ اللهِ الثَّقفي رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قُلتُ يا رَسولَ اللهِ أَخبِرْني بِشىءٍ أعتَصِمُ بِهِ. قالَ: "قُل ءامَنتُ بِاللهِ ثمَّ استَقِمْ"، قالَ: قُلتُ: ما أَشَدُّ ما تَتَخَّوفُ عَليَّ. فَقال: "هذا". أي أَخَذَ الرَّسولُ بِلِسانِهِ، فَقالَ لَهُ: "هذا". أَي اللِسانُ أَشَدُّ ما أَخافُ عَليكَ، يَعني أَكثَرُ ما يَضُرُّكَ معاصي لِسانِكَ.

النَّفسُ لها شَهوةٌ كَبيرةٌ في الكَلامِ الذّي تهواهُ مِن غَيرِ تفكيرٍ في عاقِبَتِهِ ، لِذَلِكَ الرَّسولُ قالَ أَشَدُّ ما أَخافُ عَلَيكَ لِسانُكَ. في الأَوَّلِ قالَ لَهُ الرَّسولُ قُل:"ءامَنتُ بِاللهِ ثمَّ استَقِم"، أَي اثبُتْ على الإِيمانِ ثمَّ استَقِمْ أَي اعمَلْ بِطاعَةِ اللهِ واجتَنِبْ معاصي اللهِ. ثمَّ  سأَلَ عَن أَشَدِّ شَىءٍ يُهلِكُهُ، يَضُرُّهُ، فَقالَ الرَّسولُ "هذا" أَي أَنَّ لِسانَكَ هو أَشَدُّ ما أَتخَوَّفُهُ عَلَيكَ.

حِفظُ اللِّسانِ أَمرٌ مُهِمٌّ، أَكثرُ ما يُهلِكُ الإِنسانَ في الآخِرَة مَعاصي اللِّسانِ لأَنَّ الكَلامَ سَهلٌ على اللِّسانِ، المشي يَحتاجُ إِلى
 جُهْد، أَمّا اللِّسانُ سَهلٌ أَن يَنطِقَ بما يَشاءُ، فَأكثَرُ ما يَفعَلُهُ الإِنسانُ مِنَ الذُّنوبِ هو مِنَ اللِّسانِ.
وطريقَةُ حِفظِ اللِّسانِ أَن يَتَفَكَّرَ الإِنسانُ في عاقِبَةِ ما يخطُرُ لَهُ أَن يَتَكَلَّمَ بِهِ، ثمَّ إِنْ لم يَكُنْ فيهِ خَطَرٌ يَنطِقُ بِهِ، هذا طريقُ السَّلامَةِ. أَكثَرُ الكُفرِ يَكونُ بِاللِّسانِ، وَأَكثَرُ العَداواتِ والخُصوماتِ والتّباغُضِ والتّقاطُعِ سَبَبُها اللِّسانُ. كُلُّ إِنسانٍ يحاسِبُ نَفسَهُ ويُفَكِّرُ فيما يَعودُ عَلَيهِ بِكلامِهِ الذّي يَتَكَلَّمُ بِهِ قَبلَ أَن يَتَكَلَّمَ فَبِذَلِكَ السَّلامَةُ.

ومَن فَكّر في قول الله تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. عَلِمَ أن كل ما يتكلم به في الجد أو الهزل أو في حال الرضى أو الغضب يسجله المَلَكَان، فهل يَسُرُّ العاقلَ أن يرى في كتابه حين يُعرض عليه في القيامة كلمات خبيثة ؟ بل يسوؤه ذلك ويُحزِنُه حين لا ينفع الندم، فليعتن بحفظ لسانه. وليحفظ لسانه من كل معصية حرمها الله ولا سيما من أكبر المحرمات وأخطرها وهو الكفر بأنواعه الثلاثة القولي والاعتقادي والفعلي.

*نسأل الله تعالى أن يعيننا على التقليل من الكلام إلا من خير، وعلى ترك الغضب ءامين

تعليقات